الأحد، 18 يناير 2015

Rainy soul

 
 
 
لم أعتد هذا الهطول المكثّف لمطر الروح،
أنا أساسًا لا أحملُ المِظلات، ولا أمشي على بلل الأرصفة،
أدور تحت الغيم وسط ضوضاء الشوارع، وأضحك!
 
كم صليتُ نافلة الاستسقاء، بنيّة أن تُخضر روحي..
وأتيت أنت..
مزيج من إعصار ومطر، ومن رقة الياسمين الشامي وقسوة الصبّار..
تحمل غرابتك، تحمل تناقضات العالم بأسره ومع ذلك نستلطف وجودك الجميل..
 
كيف أصفك؟
لا تسألني أسئلة كهذه، لأنّني أقعُ في مأزق الحيرة..
تملّني الكلمات، تملّ انتظارها الطويل وأنا أصيغ أو أنمّق جوابًا..
 يغلبها النعاس وتنام عند مطلع شفتاي ولا تستيقظ..
 
لا أعلم..
قد تشبه هواء النجف..
أعتقد بأنّك زرت النجف من قبل وتعرف طعم هواها الذي يعلقُ في الروح،
حتى يُصيّرنا مدمنين عليه، ويخلّف فينا سرمدٌ من الشوق،
ورغبة في استنشاقه في كل لحظة..
وإن كنت لم تزرها، فبالتأكيد أنت تعرف حجم حبّي لهوائها،
وشغفي في حديثي عنها، حتى أنّي أسميها وطني الضائع.!

قد تضحك الآن، لكنّي أحسّ بأنك تشبه خبز "السميت"،
تشبه رائحة التنور، ملمس عجين البيتزا..
كل تلك الأشياء أحبّها، أشبّهك بروائحي المفضلة لأنها أكثر شيء يعلق بالذاكرة،
دون أن تخونها وتصاحب النسيان.!

ما كان من المفترض أن أقول لك هذا،
لكنّك تُشبه السكينة التي يصبّها صوت الأذان في صدوع القلب..
تجعل للنور المُنزوي بعيدًا -حتى نكاد نُدرك حقيقة عدم وجوده- طريقًا، حتى يظهر..
 
لم تسنح لنا الفرصة بأن نمشي على طرقات ماطرة..
لذلك؛ في روحي، نمشي طويلا، بلا وجهة..
كانت أغنيات فيروز تتسكع معنا على الأرصفة،
وقلوبنا تشبه الحمام.. تشبه شرود الحلم في الغسق..
تشبه مجرة عاشقة، يلمعُ في عينيها الحُبّ نجمًا..
ونغنّي "شمسيات وأحباب"
نمشي حتى يبتلعنا الوجود، بحجّة أن نشتّم هواء نقي..
حجّة غبيّة، لأنّنا استنشقنا نصف أكسجين الأرض ونحن نمشّط الأرصفة بأقدامنا الصغيرة،
ومع ذلك لم نشبع.. لم نضجر، فقط يصيبنا التعب..
نجلس ونشرب الشاي، في مقهى جميل بأقصى الروح..
ونحكي طويلاً، عن أشياء سخيفة..
عن الأبراج، عن فريقك المفضّل،عن حكايات الماضي،
عن اعصار الحبّ الذي خِفناه،
حتى اتّضح أنها راقصة باليه ترقصُ حافية في الروح ويرقص الهواء معها!
نحكي ونحكي، ينتهي الشاي، يزول المطر، ولا ينتهي الكلام..
ولا يخبو الشغف..
 
 

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

Like a star dust

 
-
 
أريد أن أرسُم رماد أحلامي، وما ظلّ من الغابات المحترقة على امتدادات عروقك دون أن امل..
تصوّر، لو أنك تغيب يتسرّب العالم من بين يديك، حتى أسكن العدم..
وغِبت!
-
كنا نحلم أن ننسج لنا أجنحة كالنوارس ونحلّق للنور..
لكنك بدلاً من أن تمتطي السماء السابعة اكتفيت بلمس المدى بروحك، وهبطت للارض..
هل أضعت الطريق وتُهت، أم نسيت أحلامنا التي عانقت صِبانا؟
ورَحَلت بكل السكينة في روحك، وكل ضوضاء الحزن فينا،
حتى طويت صفحة في قلوبنا وأنبتّ اليُتم فينا..
كنا نريد النور وأنت استسلمت لكل الظلام.. ما كنا نستسلم!
كنا نركض حفاةً على عشبِ الحياة، لأنك أردت أن تتحسّس عمق الموجودات..
أحببت روحيتك، إيمانك بأن لكل جمادٍ روحًا تُزهر ولو خفاءً..
وأن كل شيء على هذه الأرض يحمل احساسًا بطريقته الخاصة،
وقد يعبّر عنه بذبذات قد لا تدركها عقولنا ولا تصل إليها..
-
كيف سلّمت إيمانك للعدم؟ كيف رحلت بهذه السرعة إلى النجوم،
التي لطالما قلت بأنّنا بشكلٍ أو آخر سقطنا منها وسنعود إليها؟
وأن الليل امتدادٌ لحزنها، وعزائها على فقدنا..
ما كان من المفترض أن تعود إليها بهذه السرعة القياسية..
كيف تخلّيت عن أحلامك ونثرتها الواحدة تلو الأخرى إلى الريح؟
كيف أطلقت العنان لروحك بأن تغادر كفرحةٍ قصيرة؟
كيف أعتقت نفسك هكذا ببساطة من الذاكرة، ومن عُمق الحياة وغزارتُها فيك؟
-
كُنت ممتلئًا بالحياة، أو كانت هي ممتلئة بك..
كنّا نتكئ على كتفها كلّما شاخ الحزن فينا وأجهدنا النهوض..
ما كان في الحسبان أن تزهد الحياة حتى تتركها برمتها، لا أن تترك الاتكاء فقط..
لطالما قلت بأنّ الأحزان قدر، وأنّنا معرّضون لها، وأنّها ستخطّ طريقها إلى قلوبنا يومًا ما..
سنستعدّ للسقوط من علو فرحةٍ شاهقة حتى أسفل درك الدموع،
ستثقلنا الحياة وسنستجدي الموت كمتسوّلين على أرصفة العجز..
حتى تُشرق فينا يومًا ما وننهض من عمق الخيبة ومن حيث السقوط..
كيف تجاوزت كل كلامك هذا، وحزمت أمتعتك عند الزيارة الأولى للحزن ومضيت..
ما كان في توقعنا أن ترحل وتتركنا مع تذكارٍ أخير،
مع اللقاء الأخير والكلام الأخير والقُبلة الأخيرة..
ما كنّا نعتقد بأنك ستتركنا لكل سيناريوهات الفقد الأخيرة..
وأنّ صوتك سيحفر نفسه في آذانِنا، كقلبٍ مجروح، محفور على جذعِ شجرة،
أو كوصمةِ عار في جبين الجاني..
كيف نؤخذ هذه الغيابات الشاسعة كمحيطٍ لا تحدّه بداية ولانهاية، محمل الجدّ..
كيف نهدهد القلب على أغنيات الفقد الأبدي والغروب التام..
كيف نفرش طرقات اللحظة الحاضرة بغيابك النهائي وبالذاكرة التي لا تصدح سوى بالماضي..
فلا حاضر معك.. لا حاضر مع الغائبين..
لا حاضر مع الذين ناموا كالملاك الغافي على صدر غيمة،
حتى حار الغيم فيهم وثَقُل عن حمل طهرهم..
لا حاضر سوى بأجراس الفقد التي ترنّ بالآذان حتى تكاد تصمّها..
الحاضر هو أن نُطفئ شمعة حضورك الأخيرة، ولترقد بسلام..
 

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

In another world



 
.
الشوق جم، واللقاء شحيح، والمسافات أطول من ضفيرة طفلةٍ عربية
تعقد فيها كل الصِبا وضحكات الاطفال.
.
ومن لطف الله أنّه يدبّر لنا لقاءاتٍ مسروقة من جيب القدر.
 
حُلمًا جميلاً، نتمنى أن لا ينزلق من أعيننا أبدًا، وألا تُصاحبه صحوة أخرى.
.
بالنهاية، كما قالت لي ذات يوم روحًا قريبة، كقربِ أصواتنا منّا،
بل التحامها فينا دون أن نُدركها : "دل به دل راه داره"
.
للقلوب طريق، مُمشّط بالزهر على امتداداه.
 
 أجمل من كل سكك الانتظارات، ومن محطات السفر والمطارات.
.
الطرق المعنوية أجمل من المادية. أن تعيش حُرًا في خضمِ الذاكرة أفضل
من أن يحكمك اطار زمنيّ زائل ولحظة مادّية مُنجلية كسحابةِ صيف.
.
الحياة عميقة، أعمق من فكرة الحبّ التي كلّما تعمّقنا بها واجهنا
بابًا مواربًا
جديدًا يُفتح على مصراعيه. لنتلاشى في متاهة، في زوبعة لا متناهية تبتلعنا.
.
تستطيع أن تستمع بلحظة مُؤقتًا، لكنّ الأثر أبلغ. أن تسافر بك جوارحك إلى
تلك اللحظة الماضية وتشعر بنفس الشعور والانتشاء الذي لبس قلبك حينها.
وتبتسم مرة أخرى، كأن تعيش عمرًا جديدًا، عمرًا مديدًا مع لحظات سابقة.
.
ذلك يعني أنّي استحضر روحك متى شئت، وارسم انحناءة على ثغري بحجمِ قوس قزح.
.
لا بأس بالبُعد، فقلوبنا تتصل سرًا خارج حدود الطبيعة.
وأنا أشعر بتلك القوة الكامنة، والحبّ المنساب كقطرة ندى خجولة في راحةِ الورد.
والشوق، كل الشوق الذي يلبس ثوب الليل ويأتي إلينا رقيقًا كنسمة آذارية.
.
نحن نُلغي الدروب، ونحيلها إلى نزهات جميلة، ونتسكّع معًا.
يكفينا أن تجمعنا سماءً واحدة، وشمس واحدة تطلّ على قلوبنا،
لتكسر كل الجليد وتُزهر في قلبك كل الاقحوانات الدافئة.
فكم هو جميل التنزّه معك على أرصفة الخيال.
.
ولا بأس بأن نحزن، فالحزن في أعيننا جميل وخُرافيّ.
والسماء الليلية العبوسة فيهما فاتنة، كعشرينية ملهوفة للقائها الأول مع عشيقها.
والنجم الذي يهوي منهما شهبًا من دمع، اسطوريّ. فلا بأس بأن يسلّل الحزن
اصابعه على جروحنا، ليوقظ ألمًا جميلاً فينا، مؤشرًا على أننا ما زلنا على قيد الحياة والحبّ.
.
الأشخاص يتغيّرون، يغيّرهم التوّحد بأحزانهم، يغيّرهم سفر عقارب الساعة إلى الأبد البعيد.
تنفث الحياة غبارها عليهم، ليختبأ الجزء الجميل منهم حتى يندثر، كأن لم يكن.
.
لذلك، فالذاكرة تنصفنا، تسعفنا، وتُنبت الكثير من الفرحة في فجوات قلوبنا.
وحدها الذاكرة تحتفظ بالجزء الجميل منهم، في أعمق بُقعةٍ فيها، بلا ذبولٍ أو اندثار.

السبت، 23 أغسطس 2014

غروب

 
-
 
أريد أن أقتفي أثر حنيني إليك، حتى ألقاكَ عند مفترق الطريق..
حقيقةً.. نورًا تدركه الأيدي وليست الأبصار فقط..
كياناً كاملاً، بحضوره الدافئ..

لا مجازًا،
يحمل معه برودة الرحيل ويترجّل من القطار عند المحطة الأولى للموت!
-
للعمر المديد، أريد أن أحيا بك..
بتضاريس ضحكةٍ أغيبُ بها، فتُصحّيني حرارة يدك..
مدى يحملنا معًا.. فضاءاتٍ تحملنا على متن نجومها، حُلمًا يلتمس الخلود..
-
الطريق إلى إدراكك غائر..
كفكرة كلّما أردت أن تلتقطها فلتت من يديك، وتلاشت كغبار نجمة..
كطيرٍ تضيقُ به الأرض، فيرحل إلى الأعلى..
ككلّ الأشياء المقدّر لها أن تبقى حرة في الأفق،
كُتب لها أن تتركك هكذا ببساطة، وتطير!
-
كنّا نلعنُ المسافات، الدروب الكسيرة،
الطرقات التي مشّطت أرصفتها بشوك الابتعاد.
والآن نتمنى لو أنها تعود، بِسِعتها..
أن تفصلنا المسافات بشساعتها الهائلة أفضل بكثير
من أن تفصلنا عوالم متناهية الاختلاف، ولا سبيل للصدف والالتقاء فيها..

 
المسافات التي تحمل معها غضب الشتاء،
نتمنى لو أنها تزرع نفسها بقلوبنا وتعود،
لأننا سنكسر يومًا ما جليد حنينا ونلتقي..
 
 
فلنزرعها ونبني الجسور، لأنّنا سنحطّمها..
وذلك أفضل بكثير من أن تعلن انسحابك، وتخرج كحمامة سلام..
لتصبح نقيًا كدعوة الأمهات، كابتهالات الصباحات وقرآن الفجر..
-
هذا الانطفاء يجلد أعماق الروح..
يعلّقنا على حائط القدر، ساعة معطّلة..
عقيمة من انجاب دقائق الدهشة وساعات الفرح..
الأيام على وتيرة واحدة، حيث يتجمّد الزمن،
ويترك على مشجّب قلوبنا، ذكرى الرحيل الأخير..
-
كُن وهمًا ينبض، وهمًا يتنفّس،
وهمًا يقطف من خريف القلب أحزانًا بلا نهاية..
لكن أبدًا لا تكن وهمًا يسكن اللحود..
 
غيّبنا عنك فيك، لعمرٍ طويل، لكن بعودة، بإشراقة..
لا غيابًا عقيمًا، لا غيابًا يعانق أجنحة الموت الخافقة عند رأسه!
-
القلوب أضعف من أن تحتمل غروبك الأخير عن سمائها..
والرغبات ستفيض وتفيض إلى أن يجفّ القلب كصحراء، ويسكنها سراب طلوعك..
-
حُلمًا يناديها.. تلتفت له على الفور، كنداء سماويّ تعجز أن تخرس أذنك عنه وتمضي: كان نداؤُك..
 
لكنّك المجاز وهي الحقيقة..
أنت كل الغياب وهي كاملة الحضور بحواسها..
أنت النداء المجهول وهي كل الالتفاتات الملهوفة..
هي عطش الصحاري لارتواء ارضك، وغربة الروح لوطنك الضائع..

وللأسف أنت النور الذي ندركه من بعيد بأعيننا،
ألمًا يلوّح لنا ليطير بعيدًا جدًا عن عالمنا إلى عالمه النقي..
 -

الثلاثاء، 22 يوليو 2014

نفترق - لنلتقي

 
-
 
 
 
-
 
 
(1)
 
حدّثني عن غٌربة روحك، عن الظلام الذي يلفّك من كل اتجاه..
 
عن شمسِك التي لا تبزغ إلا من أُفقِ عينيها الناعستين..
 
والآن بعدما أسدلت جفنيها لنومٍ طويل، أمازلت ترى الصباح؟
 
وترسُم دروب أحلامِك من خيوط الفجر الأولى بعينيها؟
 
ويطيرُ الحمام من هدبيها ليحطّ على كفّيك، قدرًا طليقًا؟
 
 
 
(2)
 
ياه.. من يُصدّق بأنّ مرّ عام بخريفه الجاف، بصوت الورق وهو يسقط من قلبِك،
 
بصيفٍ تُشقينا حرارته، بشتاءِ الكلمات البارد.. بالربيع؟
 
بالله عليك كيف يكون ربيعًا ونحنُ لا نرقًص بغباء تحت مطره؟
 
تصوّر، مرّ عام.. تعرّت أشجار قلوبنا إثر جفاف الرحيل..
 
مرّ عام، أزهر الياسمين.. هاجر السنونو.. "شتّتِ الدِني" وراحت الصيفية..
 
ولم نعُد!

 
 
(3)
 
نحنُ نُشقي قلوبنا ليس إلا..
 
نظنُّ أنّنا نُعتق قلوبنا من حماقات الحبّ، لكنّ القلوب التي تقع في الحبّ مرة،
 
لا تتحرّر ألف مرة! تظل كرَقٍ باسم الحُبّ..

 
هي التي ظنّت بأنّها أخمدت كل الحرائق التي أذكيتها يومًا بقلبها،
 
تُعيد اشتعالها بسؤالِك المُتأخّر عُمرًا..
 
وهي لسببٍ ما، لشيءٍ ما بداخلها يقودها كي يُسامحك،
 
تفتحُ لكَ أبواب قلبها للمرّة العاشرة!
 
بنفس الشغف، بنفس لهيب اللهفة، وبنفس خيبة الحرائق..
 
 
عليكَ أن تخلع نعليك قبل أن تلِج، فقد صار القلبُ قدّيسًا لفرط ما حمل به
 
حُزن الأنبياء.. أن لا تُحدث فوضى وضوضاء.. ادخل بخشوع..
 
فهشاشته لم تعُد تقوى،وجنونه بدأ يندثر كرمادِ أجنحةِ فراشةٍ محروقة..
 
مارس ثمالتُك وجنونك برويّة وباعتدال، حتى لا تُعثي خراباتٍ جديدة!
 
 
 
(4)
 
تعود، لتصبّ انكساراتك على سواحلها.. على قلبها الذي يسعُ العالم بأكمله!
 
تعود كطفلٍ جريح، ما اعتاد أن تنفُث الدنيا بوجههِ كلّ هذا التعب..
 
تعود لوطنك، الذي يبدأ حدوده من ذراعيها المُمتدّتين لاحتضان أحزانِك بلا نهاية،
 
أو إلى نهايةِ عُمرنا الصَدِأ، وهذا كافٍ جدًا!
 
تعود لليد التي زرعت فيك، مكان كلّ خراب جنّة..
 
وتهرُب من هذا العالم إلى عالم أزهى، إلى قلبها..
 
خارطة المُدن، أو خارطة المدينة الفاضلة!
 -