لم أعتد هذا الهطول المكثّف لمطر الروح،
أنا أساسًا لا أحملُ المِظلات، ولا أمشي على
بلل الأرصفة،
أدور تحت الغيم وسط ضوضاء الشوارع، وأضحك!
كم صليتُ نافلة الاستسقاء، بنيّة أن تُخضر
روحي..
وأتيت أنت..
مزيج من إعصار ومطر، ومن رقة الياسمين الشامي
وقسوة الصبّار..
تحمل غرابتك، تحمل تناقضات العالم بأسره ومع
ذلك نستلطف وجودك الجميل..
كيف أصفك؟
لا تسألني أسئلة كهذه، لأنّني أقعُ في مأزق
الحيرة..
تملّني الكلمات، تملّ انتظارها الطويل وأنا
أصيغ أو أنمّق جوابًا..
يغلبها النعاس وتنام عند مطلع شفتاي ولا تستيقظ..
لا أعلم..
قد تشبه هواء النجف..
أعتقد بأنّك زرت النجف من قبل وتعرف طعم
هواها الذي يعلقُ في الروح،
حتى يُصيّرنا مدمنين عليه، ويخلّف فينا سرمدٌ
من الشوق،
ورغبة في استنشاقه في كل لحظة..
وإن كنت لم تزرها، فبالتأكيد أنت تعرف حجم
حبّي لهوائها،
وشغفي في حديثي عنها، حتى أنّي أسميها وطني
الضائع.!
قد تضحك الآن، لكنّي أحسّ بأنك تشبه خبز "السميت"،
تشبه رائحة التنور، ملمس عجين البيتزا..
كل تلك الأشياء أحبّها، أشبّهك بروائحي
المفضلة لأنها أكثر شيء يعلق بالذاكرة،
دون أن تخونها وتصاحب النسيان.!
ما كان من المفترض أن أقول لك هذا،
لكنّك تُشبه السكينة التي يصبّها صوت الأذان
في صدوع القلب..
تجعل للنور المُنزوي بعيدًا -حتى نكاد نُدرك
حقيقة عدم وجوده- طريقًا، حتى يظهر..
لم تسنح لنا الفرصة بأن نمشي على طرقات ماطرة..
لذلك؛ في روحي، نمشي طويلا، بلا وجهة..
كانت أغنيات فيروز تتسكع معنا على الأرصفة،
وقلوبنا تشبه الحمام.. تشبه شرود الحلم في
الغسق..
تشبه مجرة عاشقة، يلمعُ في عينيها الحُبّ
نجمًا..
ونغنّي "شمسيات وأحباب"
نمشي حتى يبتلعنا الوجود، بحجّة أن نشتّم
هواء نقي..
حجّة غبيّة، لأنّنا استنشقنا نصف أكسجين
الأرض ونحن نمشّط الأرصفة بأقدامنا الصغيرة،
ومع ذلك لم نشبع.. لم نضجر، فقط يصيبنا
التعب..
نجلس ونشرب الشاي، في مقهى جميل بأقصى الروح..
ونحكي طويلاً، عن أشياء سخيفة..
عن الأبراج، عن فريقك المفضّل،عن حكايات
الماضي،
عن اعصار الحبّ الذي خِفناه،
حتى اتّضح أنها راقصة باليه ترقصُ حافية في
الروح ويرقص الهواء معها!
نحكي ونحكي، ينتهي الشاي، يزول المطر، ولا ينتهي
الكلام..
ولا يخبو الشغف..